فصل: الشاهد التاسع بعد الستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.وفاة المنصور قلاون وولاية ابنه خليل الاشرف.

كان المنصور قلاون قد عهد لابنه علاء الدين ولقبه الصالح وتوفي سنة سبع وثمانين فولى العهد مكانه ابنه الآخر خليل ثم انتقض الإفرنج بعكا وأغاروا على النواحي ومرت بهم رفقة من التجار برقيق من الروم والترك جلبوهم للسلطان فنهبوهم وأسروهم فأجمع السلطان غزوهم وخرج في العساكر بعد الفطر من سنة تسع وثمانين واستخلف ابنه خليلا على القاهرة ومعه زين الدين سيف وعلم الدين الشجاعي الوزير وعسكر بظاهر البلد فطرقه المرض ورجع إلى قصره فمرض وتوفي في ذي القعدة من السنة فبويع ابنه خليل ولقب الأشرف وكان حسام الدين طرنطاي نائب المنصور إليه فأقره وأشرك معه زين الدين سيف في نيابة العتبة وأقر علم الدين الشجاعي على الوزارة وبدر الدين بيدو أستاذ داره وعز الدين أيبك خزندار وكان حسام الدين لاشين السلجدار نائبا بدمشق وشمس الدين قراسنقر الجوكندار نائبا بحلب فأقرهما وجمع ما كان بالشام من ولاة أبيه ثم قبض على النائب حسام الدين طرنطاي لأيام قلائل وقتله واستولى على مخلفه وكان لا يعبر عنه كان الناض منها ستمائة ألف دينار وحملت كلها لخزانته واستقل بدر الدين بالنيابة وبعث إلى محمد بن عثمان بن السلعوس من الحجاز فولاه الوزارة وكان تاجرا من تجار الشام وتقرب له أيام أبيه واستخدم له فاستعمله في بعض اقطاعه بالشام ووفر جبايتها فولاه ديوانه بمصر فأسرف في الظلم وأنهى أمره إلى طرنطاي النائب صادره المنصور وامتحنه ونفاه عن الشام وحج في هذه السنة وولى الأشرف فكان أول أعماله البعث عنه وولاه الوزارة فبلغ المبالغ في الظهور وعلو الكلمة واستخدم الخواص له وترفع عن الناس واستقل الرتب وقبض الأشرف على شمس الدين سنقر وحبسه وكان قد قبض مع طرنطاي النائب على عز الدين سيف لما بلغه أنه يدبر عليه مع طرنطاي ثم ثبتت عنده براءته فأطلقه والله تعالى أعلم.

.فتح عكا وتخريبها.

ثم سار الأشرف أول سنة تسعين وستمائة لحصار عكا متمما عزم أبيه فيها فجهز العساكر واستنفر أهل الشام وخرج من القاهرة فأغذ السير إلى عكا ووافاه بها أمراء الشام والمظفر بن المنصور صاحب حماة فحاصرها ورماها بالمجانيق فهدم كثير من أبراجها وتلاها المقاتلة لاقتحامها فرشقوهم بالسهام فأمن اللبود وزحفوا في كنها وردموا الخندق بالتراب فحمل كل واحد منهم ما قدر عليه حتى طموه وانتهوا إلى الأبراج المتهدمة فالصقوها بالأرض واقتحموا البلد من ناحيتها واستلحموا من كان فيها وأكثروا القتل والنهب ونجا الفل من العدو إلى أبراجها الكبار التي بقيت ماثلة فحاصرها عشرا آخر ثم اقتحمها عليهم فاستوعبهم السيف وكان الفتح منتصف جمادي سنة سبعين لمائة وثلاث سنين من ارتجاع الكفر لها من يد صلاح الدين سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأمر الأشرف بتخريبها فخربت وبلغ الخبر إلى الإفرنج بصور وصيدا وعتلية وحيفا فأجفلوا عنها وتركوها خاوية ومر السلطان بها وأمر بهدمها فهدمت جميعا وانكف راجعا إلى دمشق وتقبض في طريقه على لاشين نائب دمشق لأن بعض الشياطين أوحى إليه أن السلطان يروم الفتك به فركب للفرار وأتبعه علم الدين سنجر الشجاعي وسار إلى بيروت فتحها ومر السلطان بالكرك فاستعفى نائبها ركن الدين بيبرس الدوادار وهو المؤرخ فولى مكانه جمال الدين اتسز الأشرفي ورجع السلطان إلى القاهرة فبعث شلامش وخسروا ابني الظاهر من محبسهما بالاسكندرية إلى القسطنطينية ومات شلامش هنالك وأفرج عن شمس الدين سنقر الأشقر وحسام الدين لاشين المنصوري اللذين اعتقلهما كما قدمناه وقبض على علم الدين سنجر نائب دمشق وسيق إلى مصر معتقلا وأمر السلطان ببناء الرفوف بالقلعة على أوسع ما يكون ورافعه وبنى القبة بإزائه لجلوس السلطان أيام الزينة والفرح فبنيت مشرفة على سوق الخيل والميدان والله سبحانه وتعالى أعلم.

.فتح قلعة الروم.

ثم سار السلطان سنة إحدى وتسعين في عساكره إلى الشام بعد أن أفرج عن حسام الدين لاشين ورده إلى إمارته وانتهى إلى دمشق ثم سار إلى حلب ثم دخل منها إلى قلعة الروم فحاصرها في جمادي من السنة وملكها عنوة بعد ثلاثين يوما من الحصار وقاتل المقاتلة الذريعة وخرب القلعة وأخذ فيها بترك الأرمن أسيرا وانكف السلطان راجعا إلى حلب فأقام بها شعبان وولى عليها سيف الدين الطباقي نائبا مكان قراسنقر الظاهري لأنه ولاه مقدم المماليك ورحل إلى دمشق فقضى بها عيد الفطر واستراب لاشين النائب فهرب ليلة الفطر وأركب السلطان في طلبه وتقبض عليه بعض العرب في حيه وجاء به إلى السلطان فبعثه مقيدا إلى القاهرة وولى على نيابة دمشق عز الدين أيبك الحميدي عوضا عن علم الدين سنجر الشجاعي ورجع إلى مصر فأفرج عن علم الدين سنجر الشجاعي وتوفي لسنة بعد إطلاقه ثم قبض على سنقر الأشقر وقتله وسمع نائبه بيدو ببراءة لاشين فأطلقه وتوفي ابن الأثير بعد شهر فولى مكان ابنه عماد الدين أيوب وكان أيوب قد اعتقله المنصور لأول ولايته فأطلقه الأشرف هذه السنة لثلاث عشرة سنة من اعتقاله واستخلصه للمجالسة والشورى وتوفي القاضي فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر كاتب السر وصاحب ديوان الإنشاء وله التقدم عنده وعند أبيه فولى مكانه فتح الدين أحمد بن الأثير الحلي وترك ابن عبد الظاهر ابنه علاء الدين عليا فألقى عليه النعمة منتظما في جملة الكتاب ثم سار السلطان إلى الصعيد يتصيد واستخلف بيدو النائب على دار ملكه وانتهى إلى قوص وكان ابن السلعوس قد دس إليه بأن بيدو احتجن بالصعيد من الزرع ما لا يحصى فوقف هنالك على مخازنها واستكثرها وارتاب بيدو لذلك ولما رجع الأشرف إلى مصر ارتجع منه بعض أقطاعه وبقي بيدو مرتابا من ذلك وأتحف السلطان بالهدايا من الخيام والهجن وغيرهما والله تعالى أعلم.